كلمة سيادة المطران جورج في بيروت

كلمات التأبين في بيروت ودمشق

كلمة سيادة المطران جورج في بيروت:

"فيما كانت كنيسة الأرض تأخذ منك جهدًا كثي رًا، استدعاك ربّك إلى عرس الحمل، وإلى كنيسة الأبرار لتذوق بهاءهم وفرحًا عندهم يدوم إلى أبد الآباد. تُخاطبنا من فوق لتقول لنا إ نّنا إن لم ننشدّ إلى الصالحات الباقيات، نكون رمينا أنفسنا في العدم. كان انتقالك تربية لنا لنعاشر السماو يّين عسى شي ئًا من غبطتهم ينزل علينا. تريدنا أن نسهر على الكلمة التي استودعناها لئلا يغرينا التفه. وإذا نظرنا إليك نعرف أ نّك ترفع عينينا إلى ربّك.

 

قد يكون صع بًا التمرّن على الفراق، ولك نّك روّضتنا على أنّ الذين هم للمسيح ليس بينهم هوّة. أنت سبقتنا إلى الملكوت الآتي لتتربّع مع القدّ يسين، ونتوق إليك وإليهم فنخلد بسكنى الروح القدس فينا. بعد أن تسلّحت به تدعونا إلى أن نشتهي وجه الآب وحده، ولكونك ماثلا أمامه تتقوّى مرافقتنا إ يّاك، ونصبح بصوتك في موئل الطاهرين.

كنت تعود في معاشرتهم دائمً ا إلى بساطة المسيح التي تلغي كلّ فارق بين الأذكياء. ما الذكاء الحقيقيّ إل التماع العقل الإلهيّ فينا. لم تُ غْرك المنظورات ومعقولتها لأنّ الذِكر الإلهيّ اقترب من سكناك، غير أ نّك من تراب مثلنا وكنت تعرف ذلك. لك نّك كنت تؤمن أيضً ا بأ نّنا مدعوّون إلى تجاوز التراب لنتسربل النور حسب قول الكتاب ليس سهلا على أحد أن يسكن كيانه كل ه في النور .» يا جميع الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح لبستم « : العزيز الإلهيّ . مع ذلك كنت تعرف أنّ عقول البشر، وأنت إليها في ثقافتك، ليست بشيء عند نزول الكلمة الإلهيّة.

هذا على صعيد الفكر. غير أ نّك فهمت أ نّه كُتب لك أن تتخط ى العقل كلّه بانسكاب كلمة الله عليك، لتكون فوق كل الكلمات. وهذا ل يحصل إل لمن تسربل فكر المسيح.

أقول كلّ هذا مستفيضًا لأ نّك تفلسفت كثي رًا قبل أن تنطق بالإله يّات. ففي التربية التي تلقّيت والمعقولت التي نشأت عليها بدأت من البشرة بحيث إ نّها كانت هي معراجك إلى الإلهيّات، والكنيسة الأنطاك يّة بنوع فريد كانت في عصور جمالها تُركّز نفسها دائمً ا على الجهد البشريّ في نسكها وسعيها في الكلام على الله، الذي ل يسوغ النطق به إل بعد رياضات الحبّ.

الكلام على الحبّ الإلهيّ الذي هو وحده موضوع اللاهوت، ل يأتيك إل إذا اقتحمك الحبّ ك يان ي ا، فتفهم عندئذ العلاقة بين الطاعة لله والكلام على الله. غير أنّ اللافت فيك أ نّك لم تفصل بين الذوق الإلهيّ في داخلك والتكلّم بالشأن الإلهيّ في معاناة العقل البشريّ التي نشأت عليها.

ولكنّ العقل إذا استقلّ يعني أ نّه لم يتغذَّ بالوحي، وأ نّه بقي لصيق الجسد والدنيا، وكلّنا يعلم أنّ لباسك الثقافيّ الأول كان الفلسفة، ومتابعوك يعلمون أنّ هذا العالم والفلسفة منه ل يكفي، وأ نّنا ل نستطيع أن نحيا ما لم يكن اللاهوت لباسً ا لنا.

هذا ما كُتب عليك أو ما كُتب فيك ح تّى بدا للجميع أ نّك رجل القلب أيضًا والقلب كان مصدر الصداقة فيك، وأحببت بعضًا من بشر بقوّة المشاعر العظيمة التي جلّلتك.

وهذا لم يكن فقط من بشرتك ولكن من كيانك المتمسحِن عمقه، فاستدخلت أصدقاءك قلبك وكنت تحبّهم ببساطة. لعلّ هذه هي الفضيلة التي سيطرت عليك وبها أطللت على الأطفال وخفت على الشيوخ، وحسبنا ببركات هذه الإطلالت أ نّك ستبقى بين شيوخنا طويلا . غير أنّ الربّ يستأثر بمن أح بّهم كثيرا.

قل للمخلّص إ نّنا بتنا ل نتّكل إل على إشفاقه على كنيسته. متى تصبح برأفته العروسَ المشتهاة؟ سلّم على الذين يحبّون أن نلتحق بهم. إنّ الإله المبارك ينصت إلى نجواك الضامّةِ إ يّانا إلى رحمته".